فصل: تفسير الآية رقم (25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قلت: والزَّجَّاج لم يرتضِ هذه المقالة، أعني كون قوله: {لولا} متعلقةً ب: {همَّ بها} فإنه قال: ولو كان الكلامُ ولهمَّ بها لكان بعيدًا، فكيف مع سقوط اللام؟ يعني الزجاج أنه لا جائزٌ أن يكونَ وهمَّ بها جوابًا ل {لولا}؛ لأنه لو كان جوابَها لاقترن باللام لأنه مثبت، وعلى تقدير أنه كان مقترنًا باللام كان يَبْعُدُ مِنْ جهةٍ أخرى وهي تقديمُ الجوابِ عليها.
وجواب ما قاله الزجاج ما قدَّمْتُه عن الزمخشري من أَنَّ الجوابَ محذوف مدلولٌ عليه بما تقدَّم. وأمَّا قولُه: ولو كان الكلام ولهمَّ بها فغيرُ لازمٍ؛ لأنه متى كان جوابُ لو ولولا مثبتًا جاز فيه الأمران: اللامُ وعَدَمُها، وإن كان الإِتيان باللامِ وهو الأكثر.
وتابع ابنُ عطية الزجاجَ أيضًا في هذا المعنى فقال: قولُ مَنْ قال: إنَّ الكلام قد تَمَّ في قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتَ بِهِ} وإنَّ جوابَ: {لولا} في قوله: {وهمَّ بها}، وإن المعنى: لولا أن رأى البرهانَ لهَمَّ بها، فلم يَهُمَّ يوسفُ عليه السلام قال: وهذا قول يردُّه لسان العرب وأقوال السلف أمَّا قولُه: يردُّه لسان العرب فليس كذا؛ لأنَّ وِزانَ هذه الآية وِزانُ قولِه: {إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لولا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا} [القصص: 10] فقوله إن كادَتْ: إمَّا أن يكون جوابًا عند مَنْ يرى ذلك، وإمَّا أن يكونَ دالًا على الجواب، وليس فيه خروجٌ عن كلام العرب. هذا معنى ما ردَّ به عليه الشيخ. قلت: وكأن ابن عطية إنما يعني بالخروج عن لسانِ العرب تجرُّدَ الجوابِ من اللام على تقدير جواز تقديمِه، والغرض أن اللامَ لم تُوْجد.
قوله: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ} في هذه الكافِ أوجهٌ أحدُها: أنَّها في محلِّ نصب، فقدَّره الزمخشري: مثل ذلك التثبيت ثَبَّتناه. وقَدَّره الحوفي: أَرَيْناه البراهين بذلك وقَدَّره ابن عطية: جَرَتْ أفعالُنا وأقدارُنا كذلك لِنَصْرِفَ، وقدَّره أبو البقاء نُراعيهِ كذلك.
الثاني: أن الكاف في محلِّ رفعٍ، فقدَّره الزمخشري وأبو البقاء: الأمر مثل ذلك. وقدَّره ابن عطية عِصْمَتُه كذلك. وقال الحوفي: أَمْرُ البراهين كذلك، ثم قال: والنصبُ أجودُ لمطالبة حروف الجرِّ للأفعال أو معانيها.
الثالث: أنَّ في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، تقديره: هَمَّتْ به وهمَّ بها كذلك، ثم قال: لولا أن رأى برهان ربه لنصرِفَ عنه ما همَّ بها هذا نصٌّ ابن عطية. وليس بشيءٍ، إذ مع تسليمِ جواز التقديم والتأخير لا معنى لِما ذكره.
وقال الشيخ: وأقولُ إن التقدير: مثلَ تلك الرؤية أو مثل ذلك الرأي نُرِي براهينَنا لِنَصْرِفَ عنه، فتجعل الإِشارة إلى الرأي أو الرؤية، والناصبُ للكاف ممَّا دَلْ عليه قولُه: {لولا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} ولِنَصْرِفَ متعلِّقٌ بذلك الفعلِ الناصب للكاف.
ومصدرُ رأى رُؤْية ورَأْي. قال:
ورأْيُ عَيْنَيَّ الفتى أباكا ** يُعطي الجزيلَ فعليك ذاكا

وقرأ الأعمش: {ليَصْرِفَ} بياء الغَيبة، والفاعلُ هو اللَّه تعالى.
قوله: {المخلصين} قرأ هذه اللفظةَ حيث وَرَدَتْ إذا كانت معرَّفةً ب أل مكسورةَ اللامِ ابنُ كثير وأبو عمرو وابن عامر، والباقون بفتحها، فالكسرُ على اسم الفاعل، والمفعولُ محذوف تقديره: المخلِصين أنفسَهم أو دينَهم، والفتح على أنه اسم مفعول مِنْ أَخْلصهم اللَّه، أي: اجتباهم واختارهم، أو أَخْلصهم مِنْ كل سوء.
وقرأ الكوفيون في مريم: {إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصًا} [مريم: 51] بفتح اللام بالمعنى المتقدم، والباقون بكسرها بالمعنى المتقدم. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في هم:
الهَمُّ: الحَزَنُ، والجمع هُمُومٌ؛ وماهَمَّ به الإِنسان.
وقد هَمَّهُ الأَمْرُ هَمًّا، ومَهَمَّةً، وأَهْمَّه: حَزَنَه.
وهَمَّ السُّقْمُ جِسْمَه: أَذَابَه وأَذْهَب لَحْمه.
وهم الشحْمَ فَانْهَمَّ: أَذَابَهُ فذاب.
وهَمَّ الغُزْوُ الناقَةَ: جَهَدَها.
وهمَّ به: قَصَدَ، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} وأَهَمَّنِى كذا: حَمَلَنى على أَنْ أَهُمَّ به، قال الله تعالى: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ}.
وهذا رجلٌ هَمُّك وهِمَّتُك من رَجُل، أَي حَسْبُك من رَجُل.
والهِمَّة والهَمَّة بالكسر والفتح: ما هَمَّ من أَمْر ليُفْعَل.
قال المحقِّقون: الهِمَّةُ: فِعْلَةٌ من الهَمّ، وهو مبدأُ الإِرادة، ولكن حصولها بنهاية الإِرادة.
والهَمُّ مبدؤها.
والهِمَّةُ نِهايتُها.
وفى بعض الآثار الإِلهيّة: إِنّى لا أَنظر إِلى كلام الحَكيم وإِنَّما أَنظر إِلى هِمّته.
والعامّة تقول: فهِمَّةُ كلّ امرئ ما يُحْسِنُه.
والخاصَّة تقول: فهِمَّة كلِّ امرئ ما يَطْلُب.
يريد أَن قيمة المرءِ هِمَّتُه ومَطْلُبه.
قال الشيخ عبد الله الأَنصارىّ: الهِمَّةُ ما يَمْلِك الانْبِعاثَ للمقصود صِرْفًا، لا يَتمالك صاحبُها ولا يلتفت عنها.
وقوله: تَمْلِك الانبعاثَ للمقصود، أَي يستَوْلِى عليه كاستيلاءِ المالِكِ على المملوك، وصِرْفًا أَي خالِصًا.
والمراد أَنَّ هِمَّة العبْدِ إِذا تعلَّقَت بالحقِّ تعالى طَلَبه خالصًا صادقًا ومَحْضًا، فتملِكُ الهِمَّةُ العاليةُ التي لا يَتمالك صاحِبُها، أَي لا يقدر على المُهْلَة، ولا يتمالك لِغَلَبة سلطان الهِمَّة وشدّة إِلزامِها إِيّاه بطَلَب المقصود ولا يلتفتُ عنها إِلى ما سِوَى أَحكامها، وصاحبُ هذه الهمّة سريعٌ وصولُه وظَفَرُه بمطلوبه ما لم تَعُقْهُ العوائق، وتقطعه العلائق.
وهى على ثلاث درجات:
الدّرجةُ الاُّولى: هِمَّةٌ تصونُ القلبَ عن وَحْشةِ الرَّغبة في الدّنيا وما عليها، فيزهد القلبُ فيها وفى أَهلها.
وسُمِّيت الرغبةُ فيها وَحْشَةً لأَنَّها وأَهلَها تُوحِش القلبَ والرّاغبين فيها، فأَرواحُهم وقلوبُهم في وَحْشة من أَجسامهم إِذْ فاتَها ما خُلِقت له.
وأَمّا الزاهدون فيها فإِنَّهُمْ يَرَوْنَها مُوحِشَةً لهم؛ لأَنَّها تحول بينهم وبين مطلوبهم ومحبوبهم، ولا شئ أَوحشَ عند القلب من شئ يحولُ بينه وبين مطلوبه ومحبوبه، ولذلك كان مَنْ نازع النَّاس أَموالَهم وطلَبها منهم أَوْحَشَ شئ إِليهم وأَبْغَضَه.
وأَيضًا فالزاهدون فيها إِنما ينظرون إِليها بالبصائر، والرّاغبون ينظرون إِليها بالأَبصار، فيَتَوَحَّش الزَّاهد ممّا يَأْنَسُ به الراغِبُ كما قيل:
وإِذا أَفاقَ القَلْبُ وانْدَمَل الهَوَى ** رَأَتِ القُلُوبُ ولم تَرَ الأَبْصارُ

ولذلك فإِنَّ الهمّة تحملُه على الرَّغبة في الباقى لِذاتِه، وهو الحقّ سبحانه، والباقى بإِبقائه وهو الدّارُ الآخرة، وتُخَلِّصه وتُمَحِّصه من آفات الفُتور والتَّوانى وكُدوراتها التي هي سبب الإِضاعة والتفريط.
والدّرجة الثانية: هِمَّةٌ تورِث أَنَفَةً من المبالاة بالعِلَل والنُّزُول على العمل، والثِّقة بالأَمل.
والعِلَل هاهنا الاعتمادُ على الأَعمال ورؤية ثمراتها ونحو ذلك، فإِنَّها عندهم عِلَلٌ، فصاحبُ هذه الهِمَّة تَأْنَفُ هِمَّتُه وقَلْبُه من أَن يُبالِىَ بالعِلَل، فإِنَّ همّته فوقَ ذلك، ففكرتُه فيها ومبالاتُه بها نزولٌ من الهمّة.
وعدمُ هذه المبالاة إِمّا لأَنَّ العِلَل لم تحصل له؛ لأَنَّ علوَّ هِمّته حال بينه وبينها فلا يُبالى بما لا يحصل له، وإِمّا لأَنّ همّته وسَعَة مطلبِه وعلوّه تأْتى على تلك العِلَل وتستأْصلها، فإِنَّه إِذا عَلَّق همّته بما هو أَعلَى منها تضمّنَتها الهمّة العالية، واندرج حكمُها في حكم الهمّة العالية.
وهذا محلّ عزيز جدًّا.
وأَمّا الأَنَفَة من النُّزول على العمل فمعناه أَنّ العالِىَ الْهِمَّة مَطْلَبُه فوقَ مطلَب العُمّال والعُبّاد وأَعلى منه، فهو يَأْنَفُ أَن ينزل من سماءِ مطلَبِه العالِى إِلى مجرّد العَمَل والعِبادة دون السّفر بالقلب إِلى الله ليحصلَ له ويفوزَ به فإِنَّه طالبٌ لربّه تعالى طلبًا تامًّا بكلّ مَعْنَىً واعتبار في عَمَله، وعِبادَتِه ومناجاتِه، ونَوْمِه ويَقَظَته، وحَرَكَته وسكُونه، وعُزلته وخُلْطته وسائر أَحواله، فقد انصبغ قلبُه بالتوجُّه إِلى الله تعالى أَي ما صِبْغَة.
وهذا الأَمر إِنما يكون لأَهل المحبّة الصّادقة، فهم لا يقنعون بمجرّد رُسوم الأَعمالِ وبالاقتصار على الطلب حال العَمَل فقط.
وأَمَّا أَتَفَتُه من الثَّقة بالأَمَل، فإِن الثقة تُوجب الفُتور والتَّوانى، وصاحبُ هذه الهمّة من أَهل ذلك، كيف وهو طائرٌ لا يُصاد.
والدّرجة الثالثة: هِمَّة تتصاعد عن الأَحوال والمعاملات، وتزول بالأَعواض والدّرجات، وتَنْحُو عن النُّعوتِ نحو الذات.
والتَّصاعُد عن المعاملات ليس المراد به تعطيلها بل القيام بها مع عدم الالتفات إِليها.
ومعنى الكلام أَنَّ صاحب هذه الهمَّة لا يقف على عِوَض ولا درجة، فإِنَّ ذلك نزولٌ من هِمَّته، ومطلَبُه أَعلَى من ذلك.
فإِن صاحبَ هذه الهمّة قد قَصَر همّتَه على المطلب الأَعلَى الذي لا شئ أَعلى منه، والأَعواضُ والدرجات دونه، وهو يعلم إِذا حصل هناك حصل له كلُّ درجة عالية، وأَعْواضٌ شَتىَّ.
وأَمّا نَحْوُها نَحْوَ الذات، فالمراد به أَنَّ صاحب هذه الهمّة لا يقتصر على شُهودِ الأَفْعال ولا الأَسْماءِ والصِفات بل ينحو نَحْو الذَّات الجامعة لمتفرّقات الأَسماءِ والصّفات والأَفعال.
أُنْشِدنا لبعض الأَفاضل:
وقائلة لِمْ غَيَّرتْكَ الهُمومُ ** وأَمْرُك مُمْتَثَلٌ في الأُمَمْ

فقلتُ ذَرينى على غُصَّتِى ** فإِنَّ الهُمومَ بقَدْرِ الهِمَمْ

وفى الحديث: «مَنْ هَمَّ بذَنْب ثمَّ ترَكَهُ كانت له به حَسَنَة» وقال أَيضا: «من اهْتَمَّ لأَمْر دينه كَفاه الله أَمْرَ دُنْياه»، وقال: «من أَصْبَحَ وأَكثر هَمِّه الدُّنْيا فلَيْسَ من اللهِ في شئ».
وقيل: الطَّيرُ يطير، بجَنَاحِه والمرءُ يطير بهِمَّتِه وقال:
أَهُمّ بشئ والليالى كأَنَّها ** تُطارِدُنى عن كَوْنِها وأُطارِدُ

فَريدٌ عن الخِلاَّن في كلّ بلدة ** إِذا عَظُم المَطْلُوب قَلَّ المُساعِدُ

وقد ذُكر الهمّ في القرآن في ثمانية مواضع: {إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ}، {وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ}، {وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ}، {إِذْ هَمَّتْ طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ}، {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ}، {لَهَمَّتْ طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ}، {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا}، {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)}
ما ليس بفعل الإنسان مما يعتريه- بغير اختياره ولا بِكَسْبِه- كان مرفوعًا لأنه لا يدخل تحت التكليف، فلم يكن الهمُّ منه ولا منها زَلَّةً، وإنما الزًّلَّةُ من المرأة كانت من حيث عَزَمَتْ على ما هَمَّتْ، فأمّا نفسُ الهمّ فليس مما يَكْسِبُه العبد.
ويقال اشتركا في الهمِّ وأُفْرِد- يوسف عليه السلام- بإشهاده البرهان. وفي تعيين ذلك البرهان- ما الذي كان؟- تكلُّفٌ غيرُ محمودٍ إذا لا سبيل إليه إلا بالخَبَرِ المقطوع به.
وفي الجملة كان البرهانُ تعريفًا من الحقِّ إياه بآية من آيات صُنْعِه، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ ءَايَتِنَا في الأَفَاقِ وفِى أَنفُسِهِم حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ} [فصلت: 53].
وقوله: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالفَحْشَاءَ} صَرَفَ عنه السُّوءَ حتى لم يوجَد منه العزمُ على ذلك الفعل- وإنْ كان منه همٌ- إلا أن ذلك لم يكن جُرْمًا كما ذكرنا.
والصَّرْفُ عن الطريق بعد حصول الهمِّ- كشفٌ، والسوءُ المصروفُ عنه هو العزمُ على الزنا والفحشاء أو نفْسُ الزنا، وقد صرفها الله تعالى عنه.
قوله: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ}: لم تكن نجاتُه في خلاصه، ولكن في صرفِ السوء عنه واستخلاصه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (25):

قوله تعالى: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ثم ذكر سبحانه وتعالى مبالغته في الامتناع بالجد في الهرب دليلًا على إخلاصه وأنه لم يهمّ أصلًا فقال: {واستبقا الباب} أي أوجد المسابقة بغاية الرغبة من كل منهما، هذا للهرب منها، وهذه لمنعه، فأوصل الفعل إلى المفعول بدون إلى، دليلًا على أن كلا منهما بذل أقصى جهده في السبق، فلحقته عند الباب الأقصى مع أنه كان قد سبقها بقوة الرجولية وقوة الداعية إلى الفرار إلى الله، ولكن عاقة إتقانها للمكر بكون الأبواب كانت مغلقة، فكان يشتغل بفتحها فتعلقت بأدنى ما وصلت إليه من قميصه، وهو ما كان من ورائه خوف فواته، فاشتد تعلقها به مع إعراضه هو عنها وهربه منها، ففتحه وأراد الخروج فمنعته: {و} لم تزل تنازعه حتى: {قدت قميصه} وكان القد: {من دبر} أي الناحية الخلف منه، وانقطعت منه قطعة فبقيت في يدها: {وألفيا} أي وجدا مع ما بهما من الغبار والهيئة التي لا تليق بهما: {سيدها} أي زوجها، ولم يقل: سيدهما، لأن يوسف عليه الصلاة والسلام لم يدخل في رق- كما مضى- لأن المسلم لا يملك وهو السيد: {لدا} أي عند ذلك: {الباب} أي الخارج، على كيفية غريبة جدًا، هكذا ينبغي أن يفهم هذا المقام لأن السيد لا يقدر على فتحه فضلًا عن الوصول إلى غيره لتغليق الجميع.
ولما علم السامع أنهما ألفياه وهما على هذه الحالة كان كأنه قيل: فما اتفق؟ فقيل: {قالت} مبادرة من غير حياء ولا تلعثم: {ما} نافية، ويجوز أن تكون استفهامية: {جزاء من أراد} أي منه ومن غيره كائنًا من كان، لما لك من العظمة: {بأهلك سوءًا} أي ولو أنه غير الزنا: {إلا أن يسجن} أي يودع في السجن إلى وقت ما، ليحكم فيه بما يليق: {أو عذاب أليم} أي دائم ثابت غير السجن؛ والجزاء: مقابلة العمل بما هو حقه، هذا كان حالها عند المفاجأة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}